Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة الحديد - الآية 20

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) (الحديد) mp3
يَقُول تَعَالَى مُوهِنًا أَمْر الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمُحَقِّرًا لَهَا " إِنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِب وَلَهْو وَزِينَة وَتَفَاخُر بَيْنكُمْ وَتَكَاثُر فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد " أَيْ إِنَّمَا حَاصِل أَمْرهَا عِنْد أَهْلهَا هَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبّ الشَّهَوَات مِنْ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِير الْمُقَنْطَرَة مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْخَيْل الْمُسَوَّمَة وَالْأَنْعَام وَالْحَرْث ذَلِكَ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَاَللَّه عِنْده حُسْن الْمَآب " ثُمَّ ضَرَبَ تَعَالَى مَثَل الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي أَنَّهَا زَهْرَة فَانِيَة وَنِعْمَة زَائِلَة فَقَالَ " كَمَثَلِ غَيْث " وَهُوَ الْمَطَر الَّذِي يَأْتِي بَعْد قُنُوط النَّاس كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّل الْغَيْث مِنْ بَعْد مَا قَنَطُوا" . وَقَوْله تَعَالَى " أَعْجَبَ الْكُفَّار نَبَاته " أَيْ يُعْجِب الزُّرَّاع نَبَات ذَلِكَ الزَّرْع الَّذِي نَبَتَ بِالْغَيْثِ وَكَمَا يُعْجِب الزُّرَّاع ذَلِكَ كَذَلِكَ تُعْجِب الْحَيَاة الدُّنْيَا الْكُفَّار فَإِنَّهُمْ أَحْرَص شَيْء عَلَيْهَا وَأَمْيَل النَّاس إِلَيْهَا ." ثُمَّ يَهِيج فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُون حُطَامًا " أَيْ يَهِيج ذَلِكَ الزَّرْع فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا بَعْد مَا كَانَ خَضِرًا نَضِرًا ثُمَّ يَكُون بَعْد ذَلِكَ كُلّه حُطَامًا أَيْ يَصِير يَبِسًا مُتَحَطِّمًا هَكَذَا الْحَيَاة الدُّنْيَا تَكُون أَوَّلًا شَابَّة ثُمَّ تُكْتَهَل ثُمَّ تَكُون عَجُوزًا شَوْهَاء وَالْإِنْسَان يَكُون كَذَلِكَ فِي أَوَّل عُمْره وَعُنْفُوَان شَبَابه غَضًّا طَرِيًّا لَيِّن الْأَعْطَاف بَهِيّ الْمَنْظَر ثُمَّ إِنَّهُ يَشْرَع فِي الْكُهُولَة فَتَتَغَيَّر طِبَاعه وَيَفْقِد بَعْض قُوَاهُ ثُمَّ يَكْبُر فَيَصِير شَيْخًا كَبِيرًا ضَعِيف الْقُوَى قَلِيل الْحَرَكَة يُعْجِزهُ الشَّيْء الْيَسِير كَمَا قَالَ تَعَالَى " اللَّه الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْف ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْد ضَعْف قُوَّة ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْد قُوَّة ضَعْفًا وَشَيْبًا يَخْلُق مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيم الْقَدِير " وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَثَل دَالًّا عَلَى زَوَال الدُّنْيَا وَانْقِضَائِهَا وَفَرَاغهَا لَا مَحَالَة وَأَنَّ الْآخِرَة كَائِنَة لَا مَحَالَة حَذَّرَ مِنْ أَمْرهَا وَرَغَّبَ فِيمَا فِيهَا مِنْ الْخَيْر فَقَالَ " وَفِي الْآخِرَة عَذَاب شَدِيد وَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرِضْوَان وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور " أَيْ وَلَيْسَ فِي الْآخِرَة الْآتِيَة الْقَرِيبَة إِلَّا إِمَّا هَذَا وَإِمَّا هَذَا : إِمَّا عَذَاب شَدِيد وَإِمَّا مَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرِضْوَان . وَقَوْله تَعَالَى " وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور " أَيْ هِيَ مَتَاع فَانٍ غَار لِمَنْ رَكَنَ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يَغْتَرّ بِهَا وَتُعْجِبهُ حَتَّى يَعْتَقِد أَنْ لَا دَار سِوَاهَا وَلَا مَعَاد وَرَاءَهَا وَهِيَ حَقِيرَة قَلِيلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدَّار الْآخِرَة . قَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن حَرْب الْمَوْصِلِيّ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَوْضِع سَوْط فِي الْجَنَّة خَيْر مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا اِقْرَءُوا " وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور " وَهَذَا الْحَدِيث ثَابِت فِي الصَّحِيح بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَة وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا اِبْن نُمَيْر وَوَكِيع كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَش عَنْ شَقِيق عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَلْجَنَّة أَقْرَب إِلَى أَحَدكُمْ مِنْ شِرَاك نَعْله وَالنَّار مِثْل ذَلِكَ " اِنْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيّ فِي الرِّقَاق مِنْ حَدِيث الثَّوْرِيّ عَنْ الْأَعْمَش بِهِ فَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى اِقْتِرَاب الْخَيْر وَالشَّرّ مِنْ الْإِنْسَان وَإِذَا كَانَ الْأَمْر كَذَلِكَ فَلِهَذَا حَثَّهُ اللَّه تَعَالَى عَلَى الْمُبَادَرَة إِلَى الْخَيْرَات مِنْ فِعْل الطَّاعَات وَتَرْك الْمُحَرَّمَات الَّتِي تُكَفِّر عَنْهُ الذُّنُوب وَالزَّلَّات وَيَحْصُل لَهُ الثَّوَاب وَالدَّرَجَات .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الذكر والدعاء والعلاج بالرُّقى من الكتاب والسنة

    الذكر والدعاء والعلاج بالرُّقى من الكتاب والسنة: قال المصنف - حفظه الله -: «جمعتُ في هذا الكتاب الأذكار والدعوات والرقى التي يحتاجها المسلم، ولا بد له من المواظبة عليها في مناسباتها التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعمل بها فيها».

    الناشر: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/339421

    التحميل:

  • إظهار الحق

    إظهار الحق : يعتبر هذا الكتاب أدق دراسة نقدية في إثبات وقوع التحريف والنسخ في التوراة والإنجيل، وإبطال عقيدة التثليث وألوهية المسيح، وإثبات إعجاز القرآن ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، والرد على شُبه المستشرقين والمنصرين.

    المدقق/المراجع: محمد أحمد ملكاوي

    الناشر: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالرياض http://www.alifta.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/73718

    التحميل:

  • الأربعون في فضل المساجد وعمارتها مما رواه شيخ الحنابلة عبد الله بن عقيل

    الأربعون في فضل المساجد وعمارتها مما رواه شيخ الحنابلة عبد الله بن عقيل: في هذه الرسالة تخريج أربعين حديثًا مما رواه الشيخ العلامة عبد الله بن عقيل - رحمه الله - عن «فضل المساجد وعمارتها» بإسناده المتصل إلى سيد الأولين والآخرين - صلى الله عليه وسلم -، وذلك من كتب السنة المشرفة الحاوية لطائفةٍ عطرةٍ من الأحاديث النبوية الدالَّة على فضل المساجد وعمارتها، وما يتعلَّق بها من آداب. - تخريج: محمد بن ناصر العجمي.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/371016

    التحميل:

  • التعايش مع غير المسلمين في المجتمع المسلم

    التعايش مع غير المسلمين في المجتمع المسلم: تنتظم هذه الدراسة في تمهيد ومبحثين وخاتمة: التمهيد: وفيه أعرّف بأنواع الكافرين في بلاد المسلمين والأحكام العامة لكل منهم. المبحث الأول: وأذكر فيه حقوق غير المسلمين وضماناتهم في المجتمع المسلم، وأعرض لتطبيقات ذلك في التاريخ الإسلامي. المبحث الثاني: وأتناول فيه مسألة الجزية في الإسلام، وأبين الحق في هذه الشرعة والمقصود منها. الخاتمة: وألخص فيها أهم ما توصلت إليه الدراسة من نتائج.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/228828

    التحميل:

  • سنن ابن ماجه

    سنن ابن ماجه سادس الكتب الستة على القول المشهور وهو أقلُّها درجة. - قال الحافظ ابن حجر في ترجمة ابن ماجه في تهذيب التهذيب: "كتابه في السنن جامعٌ جيِّدٌ كثيرُ الأبواب والغرائب وفيه أحاديث ضعيفة جدًّا، حتى بلغني أنًَّ السريَّ كان يقول:مهما انفرد بخبر فيه فهو ضعيفٌ غالباً، وليس الأمرُ في ذلك على إطلاقه باستقرائي، وفي الجملة ففيه أحاديثُ كثيرةٌ منكرةٌ، والله المستعان". وإنَّما اعتُبِر سادسُ الكتب الستة لكثرة زوائده على الكتب الخمسة، وقيل سادسها الموطأ لعُلُوِّ إسناده، وقيل السادس سنن الدارمي.

    الناشر: موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/140683

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة