Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة المائدة - الآية 116

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) (المائدة) mp3
هَذَا أَيْضًا مِمَّا يُخَاطِب اللَّه بِهِ عَبْده وَرَسُوله عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام قَائِلًا لَهُ يَوْم الْقِيَامَة بِحَضْرَةِ مَنْ اِتَّخَذَهُ وَأُمّه إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم " أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ " مِنْ دُون اللَّه وَهَذَا تَهْدِيد لِلنَّصَارَى وَتَوْبِيخ وَتَقْرِيع عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد هَكَذَا قَالَهُ قَتَادَة وَغَيْره وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى" هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ " وَقَالَ السُّدِّيّ : هَذَا الْخِطَاب وَالْجَوَاب فِي الدُّنْيَا وَقَالَ اِبْن جَرِير : هَذَا هُوَ الصَّوَاب وَكَانَ ذَلِكَ حِين رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا : وَاحْتَجَّ اِبْن جَرِير عَلَى ذَلِكَ بِمَعْنَيَيْنِ " أَحَدهمَا " أَنَّ الْكَلَام بِلَفْظِ الْمُضِيّ " وَالثَّانِي " قَوْله : إِنْ تُعَذِّبهُمْ وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ وَهَذَانِ الدَّلِيلَانِ فِيهِمَا نَظَرٌ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أُمُور يَوْم الْقِيَامَة ذُكِرَ بِلَفْظِ الْمُضِيّ لِيَدُلّ عَلَى الْوُقُوع وَالثُّبُوت . وَمَعْنَى قَوْله " إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك " الْآيَة التَّبَرِّي مِنْهُمْ وَرَدّ الْمَشِيئَة فِيهِمْ إِلَى اللَّه وَتَعْلِيق ذَلِكَ عَلَى الشَّرْط لَا يَقْتَضِي وُقُوعه كَمَا فِي نَظَائِر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات وَاَلَّذِي قَالَهُ قَتَادَة هُوَ غَيْره هُوَ الْأَظْهَر وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ ذَلِكَ كَائِن يَوْم الْقِيَامَة لِيَدُلّ عَلَى تَهْدِيد النَّصَارَى وَتَقْرِيعهمْ وَتَوْبِيخهمْ عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد يَوْم الْقِيَامَة وَقَدْ رُوِيَ بِذَلِكَ حَدِيث مَرْفُوع رَوَاهُ الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة أَبِي عَبْد اللَّه مَوْلَى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَكَانَ ثِقَة قَالَ : سَمِعْت أَبَا بُرْدَة يُحَدِّث عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دُعِيَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَأُمَمهمْ ثُمَّ يُدْعَى بِعِيسَى فَيُذَكِّرُهُ اللَّهُ نِعْمَته عَلَيْهِ فَيُقِرّ بِهَا فَيَقُول يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم " اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك الْآيَة ثُمَّ يَقُول " أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه فَيُنْكِر أَنْ يَكُون قَالَ " ذَلِكَ فَيُؤْتَى بِالنَّصَارَى فَيُسْأَلُونَ فَيَقُولُونَ نَعَمْ هُوَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ قَالَ فَيَطُول شَعْر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَأْخُذ كُلّ مَلَك مِنْ الْمَلَائِكَة بِشَعْرَةٍ مِنْ رَأْسه وَجَسَده فَيُجَاثِيهِمْ بَيْن يَدَيْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِقْدَار أَلْف عَام حَتَّى تُرْفَع عَلَيْهِمْ الْحُجَّة وَيُرْفَع لَهُمْ الصَّلِيب وَيُنْطَلَق بِهِمْ إِلَى النَّار " وَهَذَا حَدِيث غَرِيب عَزِيز . وَقَوْله سُبْحَانك مَا " يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ " هَذَا تَوْفِيق لِلتَّأَدُّبِ فِي الْجَوَاب الْكَامِل كَمَا قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي عُمَر حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ عَمْرو عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : يُلَقَّى عِيسَى حُجَّته وَلَقَّاهُ اللَّه تَعَالَى فِي قَوْله " وَإِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه " قَالَ أَبُو هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقَّاهُ اللَّه سُبْحَانك " مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ " إِلَى آخِر الْآيَة وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيّ عَنْ مَعْمَر عَنْ اِبْن طَاوُسٍ عَنْ طَاوُسٍ بِنَحْوِهِ وَقَوْله " إِنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته " أَيْ إِنْ كَانَ صَدَرَ مِنِّي هَذَا فَقَدْ عَلِمْته يَا رَبّ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْك شَيْء فَمَا قُلْته وَلَا أَرَدْته فِي نَفْسِي وَلَا أَضْمَرْته وَلِهَذَا قَالَ " تَعْلَم مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَم مَا فِي نَفْسك إِنَّك أَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب " .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • مجالس شهر رمضان

    مجالس شهر رمضان : فهذه مجالس لشهر رمضان المبارك تستوعب كثيرا من أحكام الصيام والقيام والزكاة، وما يناسب المقام في هذا الشهر الفاضل، رتبتُها على مجالس يومية أو ليلية، انتخبت كثيرا من خطبها من كتاب " قرة العيون المبصرة بتلخيص كتاب التبصرة " مع تعديل ما يحتاج إلى تعديله، وأكثرت فيها من ذكر الأحكام والآداب لحاجة الناس إلى ذلك.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/144934

    التحميل:

  • تأملات في قوله تعالى: { وأزواجه أمهاتهم }

    تأملات في قوله تعالى: { وأزواجه أمهاتهم }: بحثٌ مشتملٌ على لطائف متفرقة وفوائد متنوعة مستفادة من النظر والتأمل لقوله تعالى في حق أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -: { وأزواجه أمهاتهم } [الأحزاب: 6]; حيث جعلهن الله - تبارك وتعالى - أمهاتٍ للمؤمنين.

    الناشر: موقع الشيخ عبد الرزاق البدر http://www.al-badr.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/316843

    التحميل:

  • لماذا تزوج النبي محمد عائشة وهي طفلة؟

    يندهش أغلب الغربيين من زواج نبي الإسلام من عائشة ذات التسع سنوات بينما تجاوز هو سن الخمسين. ويصف كثير من الغربيين هذا الزواج بالاغتصاب وكثير من الاستنكار؛ بل يتعمد كثير منهم تصوير نبي الإسلام بصورة الرجل المكبوت جنسيًّا والمعتدي على الصغيرات ويعتبرون أن هذه هي الصورة الحقيقة للإسلام والمسلمين. وقد تجاهل هؤلاء رواج مثل ذلك الزواج وكونه أمرًا طبيعيّا في تلك الحقبة الزمنية و لا يستوجب النقد. والظاهر أن هؤلاء النقاد لم يهتموا بنقد ظاهرة الزواج المبكر لفتيات في التاسعة برجال تجاوزوا الخمسين بقدر اهتمامهم وحرصهم على نقد نبي الإسلام والتحريض ضده وتشويه صورته، مما يقلل من مصداقيتهم ويكشف الغطاء عن تظاهرهم بالإنسانية والدفاع عن “حقوق المرأة“. ولو كان قصد هؤلاء النقاد استنكار مثل هذا الزواج لتحدثوا عنه كظاهرة عامة حدثت قبل ظهور الإسلام واستمرت بعده ولما ركزوا على فرد واحد وصوروه كأنه هو مخترع هذا الزواج وأول من قام به أو الوحيد الذي قام به. فمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولد في مجتمع تعود على مثل هذا الزواج وتزوج كما تزوج غيره من أبناء مجتمعه؛ بل إن غير المؤمنين برسالته والذين طالما حاربوه وحاولوا قتله لم يستعملوا زواجه بعائشة من أجل تشويه صورته والتحريض ضده؛ لأن ذلك كان أمرًا عاديًّا في ذلك الزمن، ولأنهم هم أنفسهم كانوا يتزوجون بفتيات في سن مبكرة. وفي هذا الكتيب ردٌّ على الشبهات المُثارة حول هذا الموضوع.

    الناشر: موقع رسول الله http://www.rasoulallah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/323898

    التحميل:

  • العقيدة الطحاوية

    العقيدة الطحاوية: متن مختصر صنفه العالم المحدِّث: أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي، المتوفى سنة 321هـ، وهي عقيدةٌ موافقة في جُلِّ مباحثها لما يعتقده أهل الحديث والأثر، أهل السنة والجماعة، وقد ذَكَرَ عددٌ من أهل العلم أنَّ أتْبَاعَ أئمة المذاهب الأربعة ارتضوها؛ وذلك لأنها اشتملت على أصول الاعتقاد المُتَّفَقِ عليه بين أهل العلم، وذلك في الإجمال لأنَّ ثَمَّ مواضع اُنتُقِدَت عليه.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/1899

    التحميل:

  • أبناؤنا والصلاة

    أبناؤنا والصلاة: قال الكاتب: «فإنَّ الأولاد هم زهرة الحياة الدنيا، وفي صلاحهم قرَّة عين للوالدين، وإنَّ من المؤسف خلوُّ مساجدنا من أبناء المسلمين، فقلَّ أن تجد بين المصلين من هم في ريعان الشباب!.. وهذا والله يُنذر بشرٍّ مستطير، وفسادٍ في التربية، وضعف لأمَّة الإسلام إذا شبَّ هؤلاء المتخلِّفون عن الطوق!.. فإذا لم يُصلُّوا اليوم فمتى إذًا يقيموا الصلاة مع جماعة المسلمين؟!». وفي هذه المقالة نصائح مُوجَّهة إلى كل أبٍ وأمٍّ لتربية أبنائهم على حب الصلاة والإقبال عليها بالأُسوة الحسنة.

    الناشر: دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/345927

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة