Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 164

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) (البقرة) mp3
يَقُول تَعَالَى " إِنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض" تِلْكَ فِي اِرْتِفَاعهَا وَلَطَافَتهَا وَاتِّسَاعهَا وَكَوَاكِبهَا السَّيَّارَة وَالثَّوَابِت وَدَوَرَان فُلْكهَا - وَهَذِهِ الْأَرْض فِي كَثَافَتهَا وَانْخِفَاضهَا وَجِبَالهَا وَبِحَارهَا وَقِفَارهَا وَوِهَادهَا وَعِمْرَانهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَنَافِع وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار هَذَا يَجِيء ثُمَّ يَذْهَب وَيَخْلُفهُ الْآخَرُ وَيَعْقُبُهُ لَا يَتَأَخَّر عَنْهُ لَحْظَة كَمَا قَالَ تَعَالَى " لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَار وَكُلٌّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ " وَتَارَة يَطُول هَذَا وَيَقْصُر هَذَا وَتَارَة يَأْخُذ هَذَا مِنْ هَذَا ثُمَّ يَتَعَاوَضَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى " يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَار وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْل " أَيْ يَزِيد مِنْ هَذَا فِي هَذَا وَمِنْ هَذَا فِي هَذَا" وَالْفُلْك الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْر بِمَا يَنْفَع النَّاس " أَيْ فِي تَسْخِير الْبَحْر بِحَمْلِ السُّفُن مِنْ جَانِب إِلَى جَانِب لِمَعَايِش النَّاس وَالِانْتِفَاع بِمَا عِنْد أَهْلِ ذَلِكَ الْإِقْلِيم وَنُقِلَ هَذَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَا عِنْد أُولَئِكَ إِلَى هَؤُلَاءِ" وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاء مِنْ مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا " كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَآيَةٌ لَهُمْ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ " - إِلَى قَوْله - " وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ " " وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلّ دَابَّة " أَيْ عَلَى اِخْتِلَاف أَشْكَالهَا وَأَلْوَانهَا وَمَنَافِعهَا وَصِغَرهَا وَكِبَرهَا وَهُوَ يَعْلَم ذَلِكَ كُلّه وَيَرْزُقهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ " " وَتَصْرِيف الرِّيَاح" أَيْ فَتَارَة تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَارَة تَأْتِي بِالْعَذَابِ وَتَارَة تَأْتِي مُبَشِّرَة بَيْن يَدَيْ السَّحَاب وَتَارَة تَسُوقهُ وَتَارَة تَجْمَعهُ وَتَارَة تُفَرِّقهُ وَتَارَة تُصَرِّفهُ ثُمَّ تَارَة تَأَتَّى مِنْ الْجَنُوب وَهِيَ الشَّامِيَّة وَتَارَة تَأْتِي مِنْ نَاحِيَة الْيَمَن وَتَارَة صَبَا وَهِيَ الشَّرْقِيَّة الَّتِي تَصْدِم وَجْه الْكَعْبَة وَتَارَة دَبُورًا وَهِيَ غَرْبِيَّة تَنْفُذ مِنْ نَاحِيَة دُبُر الْكَعْبَة . وَقَدْ صَنَّفَ النَّاس فِي الرِّيَاح وَالْمَطَر وَالْأَنْوَاء كُتُبًا كَثِيرَة فِيمَا يَتَعَلَّق بِلُغَاتِهَا وَأَحْكَامهَا وَبَسْطُ ذَلِكَ يَطُول هَاهُنَا وَاَللَّه أَعْلَم وَالسَّحَاب الْمُسَخَّر بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض أَيْ سَائِر بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض مُسَخَّر إِلَى مَا يَشَاء اللَّه مِنْ الْأَرَاضِي وَالْأَمَاكِن كَمَا يُصَرِّفهُ تَعَالَى " لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " أَيْ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء دَلَالَات بَيِّنَة عَلَى وَحْدَانِيَّة اللَّه تَعَالَى" إِنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَاب الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جَنُوبهمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض رَبَّنَا مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانك فَقِنَا عَذَاب النَّار " وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر بْن مَرْدَوَيْهِ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الدَّشْتَكِيّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَشْعَث بْن إِسْحَاق عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَتَتْ قُرَيْش مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد إِنَّا نُرِيد أَنْ تَدْعُو رَبّك أَنْ يَجْعَل لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا فَنَشْتَرِي بِهِ الْخَيْل وَالسِّلَاح فَنُؤْمِن بِك وَنُقَاتِل مَعَك قَالَ " أَوْثِقُوا لِي لَئِنْ دَعَوْت رَبِّي فَجَعَلَ لَكُمْ الصَّفَا ذَهَبًا لَتُؤْمِنُنَّ بِي " فَأَوْثَقُوا لَهُ فَدَعَا رَبّه فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ إِنَّ رَبّك قَدْ أَعْطَاهُمْ الصَّفَا ذَهَبًا عَلَى أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِك عَذَّبَهُمْ عَذَابًا لَمْ يُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ قَالَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَبّ لَا بَلْ دَعْنِي وَقَوْمِي فَلَأَدْعُهُمْ يَوْمًا بِيَوْمٍ " فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة " إِنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار وَالْفُلْك الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْر بِمَا يَنْفَع النَّاس " الْآيَة وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة بِهِ وَزَادَ فِي آخِره : " وَكَيْف يَسْأَلُونَك الصَّفَا وَهُمْ يَرَوْنَ مِنْ الْآيَات مَا هُوَ أَعْظَم مِنْ الصَّفَا " وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم أَيْضًا حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة حَدَّثَنَا شِبْل عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ عَطَاء قَالَ : نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ " وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ " فَقَالَ كُفَّار قُرَيْش بِمَكَّة كَيْف يَسَع النَّاسَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ " إِلَى قَوْله " لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " فَبِهَذَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَأَنَّهُ إِلَه كُلّ شَيْء وَخَالِق كُلّ شَيْء وَقَالَ وَكِيع بْن الْجَرَّاح : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ" وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ " إِلَى آخِر الْآيَة قَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنْ كَانَ هَكَذَا فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ" إِنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار" إِلَى قَوْله " يَعْقِلُونَ " وَرَوَاهُ آدَم بْن أَبِي إِيَاس عَنْ أَبِي جَعْفَر هُوَ الرَّازِيّ عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق وَالِد سُفْيَان عَنْ أَبِي الضُّحَى بِهِ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • هداية المرتاب وغاية الحفاظ والطلاب في تبيين متشابه الكتاب

    هداية المرتاب وغاية الحفاظ والطلاب في تبيين متشابه الكتاب، للعلامة علم الدين أبو الحسن علي بن محمد السخاوي - رحمه الله - : هو متن يساعد حُفاظ القرآن الكريم على ضبط حفظهم؛ فيضع قواعد لمتشابه الألفاظ، مما يُمكِّنهم من الإتقان دون مشقة كبيرة - إن شاء الله -، وتعتبر هذه المنظومة من أجمع ما نظم وكتب في هذا الموضوع، على سلاسة في نظمها، وظهور في معانيها ومقاصدها، وحسن في أدائها.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/289513

    التحميل:

  • الاستشفاء بالقرآن الكريم

    الاستشفاء بالقرآن الكريم: رسالةٌ فيها الأدلة من الكتاب والسنة على مشروعية الاستشفاء بالقرآن، وكيفية الاستشفاء بالقرآن، وبيان الصفات الواجب توافرها في الراقي والمرقي، ثم ختم الرسالة بذكر محاذير يجب تجنبها.

    الناشر: الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب www.aqeeda.org

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/333188

    التحميل:

  • أولئك مبرؤون

    أولئك مبرؤون: بحث تأصيلي في نقض الشبهات المثارة حول بعض الصحابة.

    الناشر: مركز البحوث في مبرة الآل والأصحاب http://www.almabarrah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/260221

    التحميل:

  • تعليم الصلاة

    تعليم الصلاة : ما من عبادة إلا ولها صفة وكيفية، قد تكفل الله سبحانه ببيانها، أو بينها رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذه الرسالة بيان لصفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بصورة مختصرة.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/70857

    التحميل:

  • اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر

    اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر: دراسة وافية للمناهج في هذا القرن يُبيِّن فيها الأصيل والدخيل والصحيح والسقيم والمقبول والمردود علَّنا نتدارك في رقننا الجديد مساوئ سابقة ونأخذ منها محاسنه فنكون بذلك قد خطَونا خطوات جادّة، ونكون بذلك قد استفدنا ممن قبلنا، ونُفيد من بعدنا في تنقية التفسير ومناهجه مما أصابَه من الشوائب عبر القرون الماضية منذ أن كان صافيًا نقيًّا إلى يومنا هذا فنعود به كما كان، ويصلح آخر هذه الأمة بما صلح به أولها.

    الناشر: مؤسسة الرسالة ببيروت http://www.resalah.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/364170

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة